الأحد، 18 أغسطس 2013

المزرعة الصغيرة والبقرة



المزرعة الصغيرة والبقرة


كان هناك فيلسوف يتجول فى الغابة مع أحد أتباعه، وكانوا يتناقشون حول أهمية الصُدَفْ. فبالنسبة للفيلسوف ، كل شىء حولنا إمّا أن يجعلنا نتعلم شيئاً أو نُعلم شخصاً آخر هذا الشىء. وفى تلك الأثناء مرّا ببوابة مزرعة صغيرة والتى، بالرغم من موقعها الممتاز، تبدو شديدة الفقر. فقال التابع :

-   انظر إلى هذا المكان .. أنت محقٌ فعلاً، وما أتعلمه فى هذا المكان أنّ الكثير من الناس يعيشون فى الجنة ولكنهم لا يدركون ذلك ويعيشون فى أسوأ حال.

فردّ عليه الفيلسوف بسرعة:

-   لقد أخبرتك أن تتعلم وتُعلِّم، فليس من السهل أن تُلاحظ ما يحدث، يجب عليك ان تكتشف الأسباب، لأننا نفهم العالم حينما نُدرك الأسباب.


طرقا الباب فانفتح واستقبلهم سكان المزرعة؛ زوج وزوجة وثلاثة أطفال، كلهم يلبسون ثياباً مهلهلة قذرة. فقال الفيلسوف لرب الأسرة:

-       أنتم تعيشون فى وسط الغابة ولا يوجد محلات فى الجوار، فكيف تحيون هاهنا؟

فأجابه الزوج بهدوء جمّ:

-   أيها الصديق .. إننا نمتلك بقرة تزودنا كل يوم بالعديد من لترات اللبن، بعض هذه اللترات نبيعها أو نستبدلها فى المدينة المجاورة بطعام آخر، أما المتبقى من اللبن فنصنع منه الجبن والزبادى والزبد لأنفسنا. وهذه هى معيشتنا.

شكر الفيلسوف صاحب المزرعة على تلك المعلومات، وجال ببصره فى أرجاء المكان ثم غادر هو وتابعه. وأثناء سيرهما قال الفيلسوف لتابعه:

-       خذ البقرة إلى هذا المنحدر، وادفعها من فوقه.


فقال التابع دهشاً:

-       ولكن البقرة هى كل مصدر دخل الأسرة

ولكن الفيلسوف لم يرد عليه، فلم يجد تابعه الشاب بُدّاً من أن يلقى بالبقرة من فوق المنحدر فنفقت لتوها. وظل هذا المشهد محفوراً فى ذاكرة التابع الشاب. وبعد عدة سنوات، أصبح التابع الشاب رجل أعمال ناجح فقرر العودة إلى تلك المزرعة ليخبر أسرة صاحب المزرعة بكل ما حدث، ويطلب منهم الصفح والعفو ويساعدهم بماله.


لك أن تتخيل دهشته حينما وجد المكان قد تحول إلى مزرعة جميلة تحوطها الأشجار المزهرة، وسيارة فى جراج المنزل، وأطفال يلعبون فى الحديقة. فأصابه الغم واليأس معتقداً أن صاحب المزرعة أضطر إلى بيعها لكى يستطيع العيش. أسرع التابع الشاب إلى البوابة فحياه خادم لطيف. فسأل الخادم:

-       ماذا حدث للأسرة التى كانت تعيش هنا منذ عشرة أعوام؟

فأجابه الخادم:

-       مازالوا هم أصحاب المكان.

فاندفع التابع الشاب إلى المنزل مدهوشاً فتعرف عليه صاحب المزرعة وسأله عن الفيلسوف، ولكن الشاب كان تواقاً لمعرفة كيف نجح هذا الرجل فى تحسين المزرعة ورفع مستوى معيشته بهذه الدرجة. فأجابه صاحب المزرعة:

-   كان لدينا بقرة، ولكنها سقطت من فوق المنحدر وماتت. حينها اضطررت أن أزرع الأعشاب والخضروات لأنفق على أسرتى. تحتاج الخضروات والأعشاب إلى فترة لتنمو، فبدأت أقطع الأشجار وأبيع خشبها فى السوق. وبالطبع اشتريت شجيرات جديدة لتنمو مكان الأشجار المقطوعة، وحينما كنت أشترى الشجيرات الجديدة خطر ببالى ملابس أطفالى، وفكرت أننى ربما استطيع زراعة القطن لأصنع منه ملابسهم. كانت السنة الأولى شاقة، ولكن أتى موسم الحصاد وبدأت أبيع القطن والخضروات والأعشاب العطرية. لم أدرك من قبل قدرات المزرعة العظيمة، وكانت ضربة حظ فعلاً أن ماتت البقرة.


(هذه القصة كانت متداولة على الشبكة العنكبوتية (الانترنت) عام 1999 لكاتب غير معروف)



ترجمة

حسن صلاح حسن
القصة من كتاب (قصص للآباء والأبناء والأحفاد) المجلد الأول للكاتب باولو كوليهو

الأحد، 4 أغسطس 2013

بطل الجبل



بطل الجبل
كان الثعلب الصغير (لولو) مفعماً بالإثارة، فالمسابقة الكبرى "بطل الجبل" ستبدأ في الغد. وسيشارك فيها أقوى وأشجع الحيوانات والناس.

أما لولو فقد كان يريد مشاهدة المسابقة، كما كان يريد أن يقابل أشهر الأبطال في العالم. فدرس الخريطةبعناية. فالمسابقة ستتم عالياً فوق الجبل، في أراضي البومة الساحرة "بوران"، ولذا فسيضطر لولو أن يقوم برحلة طويلة في اليوم التالى.

في تلك الليلة لم يستطع لولو النوم حتى وقت متأخر من الليل. فقد كان ينظر عبر الأفق إلى قمة الجبل البعيدة ويحلم بالمسابقة. وكان تواقاً إلى الصباح.

استيقظ لولو في الصباح الباكر، غسل أسنانه بالفرشاة، وتناول إفطاره بسرعة. فقد كان أمامه رحلة طويلة، ولذا فقد تناول وجبة إفطارٍ جيدة أعدته له أمه، وكانت لذيذة جداً.

وعد لولو أمه أن يعتنى بنفسه، وأن يعود إليها قبل حلول الظلام، وانطلق إلى الجبل. مر بالمروج المجاورة لبيته، ومشى حول التلال الصخرية، وفجأة أثناء عبوره النهر، سمع شخصاً يصرخ طالباً النجدة.

نظر لولو حوله فوجد خنفساء وقعت فى النهر. كانت ضفاف النهر شديدة الانحدار، أما الخنفساء الصغيرة كانت تلوح بقدميها وقرون استشعارها فى يأس.

بحث لولو حوله عن عوامة أو عن عصا، ولكنه لم يجد شيئاً نافعاً. ولأن الوقت كان يمر بسرعة، فقد وضع لولو ذيله في المياة الجليدية، وصاح في الخنفساء أن تتشبث به.

بعد برهة، بعد أن نجح لولو فى انقاذ الخنفساء، وهى ترقد على الحشائش لتجفف نفسها في الشمس – مرهقةً ولكن سعيدة بانقاذها.  كان لولو مرهقاً أيضاً، ولكن لم يكن لديه وقت ليستريح فيه. فعصر ذيله الذى أصبح ثقيلاً من المياه التى بللته، وأسرع إلى المسابقة.

بعد وقت قليل رأى أمامه أرنباً برياً صغيراً يبكى بشدة. كان الأرنب الصغير قد فقد قفازه، ولم يكن يعرف كيف يجده.

كان لولو مستعجلاً ليصل إلى المسابقة، ولكنه قرر أن يساعد الأرنب الصغير. خفض لولو من أرنبة أنفه وأسرع بالبحث عن قفاز الأرنب الصغير. وتبعه الأرنب وقد ملأه الأمل.

بعد وقت قليل وجد لولو القفاز ملقياً على جانب الطريق. لا شيء يمكنه الاختباء من أنف الثعلب. أصبح الأرنب الصغير فرحاً جداً وتقافز مبتسماً عائداً إلى بيته مرتدياً قفازه، وأسرع لولو إلى الجبل.

وحين حاول لولو أن يتسلق طريق الجبل شديد الانحدار، قابل ثلاث نملات ممن يعملون في إطفاء الحريق، يحملون باباً جديداً لمخفر المراقبة، الذي يقع في أعلى الجبل، فالنمل يراقب الغابة من هناك ليرى إذا نشب حريق بالغابة.


كان الباب ثقيلاً جداً، وكانت النملات الثلاث تلهث أسفل منه.
قرر لولو أن يساعدهم، برغم أنه أصبح متأخراً على المسابقة بالفعل. أخذ لولو أحد طرفي الباب وحمله مع النملات الثلاث لأعلى الجبل.

وفي النهاية وصل الجميع إلى مرصد المراقبة، ونجحوا سوياً في تثبيت الباب في مكانه السليم. جلست النملات على الأرض مرهقة، ولكن تشعرن بالرضا. كان لولو مرهقاً أيضاً، ولكن لم يكن أمامه وقت ليستريح فيه – فاستمر في طريقه، صاعداً قمة الجبل.

عندما صعد قمة الجبل، كانت المسابقة قد انتهت. وكانت السهام المكسورة، والسيوف، والتروس ملقاة هنا وهناك في كل أنحاء المروج التى على قمة الجبل، ولكن كل الأبطال قد غادروا المكان.

جلس لولو حزيناً على الأرض. فقد كان تواقاً ليشاهد السباق ويقابل الأبطال العظماء، ولكن فاته كل شيء.


وفجأة سمع رفرفة أجنحة. نظر لأعلى فرأى البومة الساحرة، بوران، تحط أمامه.
"لا تحزن يا لولو. فلم يفتك شيئ ذو أهمية. انظر .. لدي شيء خاص لك" وقدمت له قطعة من البللور مكتوب عليها "بطل الجبل" – وهى أكبر جائزة فى المسابقة.
فسألها لولو مدهوشاً: "ولكن لماذا؟ لم أقم بأى عمل بطولي".
ابتسمت بوران وقالت له: "وهل هناك عمل أكثر بطولة من كل الأعمال الصغيرة التى عملتها اليوم؟"
"لقد فاتتك المسابقة التى كنت تتوق بشدة أن تشاهدها، لأنك ساعدت الخنفساء، والأرنب الصغير، والنملات الثلاث. فأنت إذاً البطل الحقيقى للجبل."


استطاع لولو أن يعدو إلى بيته قبل العشاء، وحكى لوالديه عما حدث. كان كل من بالبيت في غاية السعادة والفخر. وبعد العشاء، ذهب لولو إلى سريره مرهقاً وشاعراً بالرضا. كان في حاجة إلى نوم هانئ ليلاً .. فربما تنتظره أعمال عظيمة ومغامرات أخرى في الصباح التالى.

----------------
ترجمة / حسن صلاح حسن