الخميس، 20 أبريل 2017

العملاق الأناني


اعتاد الأطفال كل عصر وهم عائدون من المدرسة أن يلعبوا في حديقة العملاق، كانت حديقة جميلة بها عشب ناعم أخضر وفوق العشب كنت ترى هنا وهناك زهور جميلة كالنجوم، وكانت هناك اثنتا عشرة شجرة خوخ تعطي ثمارا لذيذة، وكانت الطيور تجلس على الأغصان وتغني أجمل الأغاني لدرجة أن الأطفال كانوا يكفون عن اللهو ليصغوا إليها، فكانوا يتصايحون:كم نحن سعداء هنا!!
ذات ليلة عاد العملاق بعد زيارة قام بها لصديقه الغول في كورنوول حيث بقي معه سبع سنوات، وبعد انقضاء الأعوام السبعة كان قد انتهى من قول كل ما يريد قوله لأنه كان لا يُطيل الكلام وقرر العودة إلى قلعته، وحين بلغها رأى الأطفال يلعبون في الحديقة فصاح بصوت غليظ: ماذا تعملون هنا؟، فبادر الأطفال بالفرار.

قال العملاق: حديقتي هي حديقتي، لا يمكن لأي أحد أن يفهم هذا ولن أترك واحدا يلعب فيها سواي لذلك ابتنى لها جدارا حولها ووضع لافتة تقول: المتعدون سيعاقبون، كان عملاقا شديد الأنانية ولم يعد لدى الأطفال البؤساء من مكان يلعبون فيه، حاولوا اللعب على الطريق لكنه كان مغبرا مليئا بالصخور الصلبة ولم يرق لهم، واعتادوا أن يدوروا حول الجدار حين تنتهي دراستهم ويتكلموا عن الحديقة الجميلة بالداخل وكانوا يقولون: كم كنا سعداء هناك!، ثم جاء الربيع وانتشرت براعم الزهور والطيور الصغيرة في البلاد، بينما استمر الشتاء مخيما على حديقة العملاق الأناني، فالطيور لم تبال بالغناء هناك حيث لا يوجد أطفال والأشجار نسيت أن تخرج زهورها، وذات مرة أخرجت زهرة رأسها من بين الأعشاب لكنها أبصرت اللافتة فأسفت من أجل الأطفال وعادت برأسها إلى الداخل، لم يكن هناك سوى الثلج والصقيع اللذين صاحا: الربيع قد نسى هذه الحديقة ولسوف نظل هنا طيلة العام، فغطى الثلج العشب بعباءته البيضاء ودهن الصقيع الأشجار باللون الفضي ثم أنهما دعيا الريح الشمالية كي تأتي فجاءت، كانت متدثرة بالفراء وقد ظلت تعوي حول الحديقة طيلة اليوم وقالت: هذا مكان بهيج يجب أن ندعو البرد لزيارته، وجاء البرد وظل يضرب القلعة كل يوم حتى حطم أكثر الألواح في السقف ثم راح يجري في الحديقة بأقصى سرعة له، كان متدثرا في الرمادي وأنفاسه كالجليد.

قال العملاق الأناني: لا أفهم لما تأخر الربيع كل هذا أرجو أن يتغير الطقس، لكن الربيع لم يأت قط ولا الصيف، وجاء الخريف بثمار ذهبية لكل الحدائق ما عدا حديقة العملاق وقال: إنه أناني، وهكذا لم يكن في الحديقة سوى الثلج والصقيع والريح الشمالية والبرد يرقصون بين الأشجار، وذات صباح بينما كان العملاق راقدا متيقظا في فراشه سمع موسيقى جميلة بدت رائعة إلى حد حسب أن موسيقيي الملك يمرون بالدار، كان هذا طائرا صغيرا يغني خارج النافذة وقد مضى دهر لم يسمع غناء طائر في الحديقة لدرجة شعر بأن هذه أجمل موسيقى في الكون، ثم شم عطرا جميلا فقال مع نفسه: لا بد أن الربيع قد جاء أخيرا ووثب من الفراش ونظر خارج النافذة فماذا رأى؟، رأى أجمل منظر في العالم، لقد زحف الأطفال إلى الحديقة من فتحة في الجدار وفوق غصن كل شجرة كان هناك طفل صغير وكانت الأشجار في غاية السرور لرِؤية الأطفال حتى أنها تغطت بالبراعم وراحت تلوح بأذرعها فوق رؤوس الأطفال وكانت الطيور تغني والزهور تطل برأسها من بين العشب الأخضر وتضحك، كان مشهدا جميلا إلا أنه في ركن من الحديقة ظل الشتاء، في هذا الركن كان صبي صغير يقف، كان صغيرا إلى حد أنه لم يستطع الوصول إلى غصن شجرة وظلت الشجرة البائسة مكسوة بالصقيع، انحنت بغصونها وراحت تصيح: تسلق أيها الصبي تسلق!، لكن الصبي كان صغير الحجم، وذاب قلب العملاق حين رأى المشهد: كم كنت أنانيا! الآن عرفت لماذا لم يزرني الربيع لسوف أضع الصبي على غصن الشجرة ثم أهدم السور وتعود حديقتي ملعبا للأطفال، وخرج إلى الحديقة، فما إن رآه الأطفال حتى فروا رعبا وعاد الشتاء إلى الحديقة، فقط الصبي الصغير ظل هناك لأن عينيه كانتا مغرورقتين بالدموع فلم ير العملاق، حمله العملاق على يديه برفق ووضعه على الشجرة فأزهرت الشجرة وعادت الطيور تغني، احتضن الصبي العملاق ولثمه على خده وفي هذه اللحظة عاد الأطفال وقد رأوا العملاق لم يعد شريرا كما كان فعاد معهم الربيع، هذه حديقتكم الآن أيها ألأطفال قالها العملاق وتناول فأسا وحطم السور، وحين ذهب الناس إلى السوق في الثانية عشرة ظهرا وجدوا العملاق يلهو مع الأطفال في أجمل حديقة في العالم،ظلوا يلعبون طوال اليوم وفي المساء راحوا للعملاق ليودعوه فقال لهم: ولكن أين رفيقكم الصغير الذي وضعته فوق الشجرة ؟

أجاب الأطفال: لا نعرف، لقد رحل.
قال العملاق: قولوا له أن يحضر هنا غدا. 
لكن الأطفال قالوا إنهم لا يعرفون أين يسكن ولم يروه قط من قبل، الشي الذي أحزن العملاق، وفي كل عصر بعد ساعات المدرسة كان الأطفال يلعبون مع العملاق، لكن الصبي الذي أحبه العملاق لم يظهر قط وكان العملاق مشتاقا إليه، ومرت الأعوام وازداد العملاق وهنا وشيخوخة ولم يعد يستطيع اللعب لذا كان يجلس إلى مقعد كبير ويراقب الأطفال في أثناء لعبهم وينظر لحديقته: إن لدي زهورا جميلة لكن الأطفال أكثر الزهور جمالا، وفي صباح شتاء كان يرتدي ثيابه وينظر من النافذة، لم يعد يكره الشتاء الآن لأنه يعرف أنه ليس إلا الربيع نائما والزهور تستريح، وفجأة فرك عينيه في عجب لقد كان بالتأكيد مشهدا رائعا، ففي أقصى أركان الحديقة كانت شجرة كل أغصانها من الذهب وثمار فضية تتدلى منها وتحتها الطفل الصغير الذي أحبه، جرى العملاق في الحديقة والسرور يغمره وعبر العشب أسرع حتى بلغ الطفل، فلما رآه عن كثب احمر وجهه غضبا وصاح: من تجرأ على أن يجرحك؟، لأنه رأى على يدي الصبي الصغيرتين وعلى قدميه آثار مخلبين كبيرين، من تجرأ على أن يجرحك؟ قل لي فلسوف آخذ سيفي وأقتله.
قال الصبي:لا أحد، بل هي جراح الحب،
قال العملاق: من أنت؟ وفي قلبه سرت رهبة غريبة فجثا على ركبتيه فابتسم الطفل وقال له: أنت تركتني ألعب في حديقتك واليوم سوف تلعب معي في حدائق الجنة، وحين جاء الأطفال عصرا وجدوا العملاق ميتا تحت الشجرة وقد تغطى جسمه كله بالبراعم البيضاء.

-----
قصة العملاق الأناني (The Selfish Giant) للكاتب الايرلندي: أوسكار وايلد (Oscar Wild)
وترجمتها منقولة من إحدى صفحات الانترنت ولكن للأسف لم يذكر من مترجمها.